المحاكم التقليدية.. موروث صومالي

عبد الفتاح نور أشكر-بوصاصو

يستند المجتمع الصومالي في حل نزاعاته القانونية إلى الأعراف والتقاليد القبلية المتوارثة، ويلجأ معظم الناس إلى شيوخ القبائل والوجهاء لعرض الشكاوى أو المطالبة بإيجاد حلول لما يواجهونه من مشكلات قانونية.

وفي ظل غياب الحكومة الصومالية المركزية، فرضت المحاكم التقليدية كبديل للمحاكم الرسمية مستلهمة فكرتها من التراث الصومالي القديم، حيث تلعب دور هيئة القضاء بالبت في النزاعات القبلية والسعي من أجل التوسط بين المتخاصمين على خلفية صراع ينشب عادة بين القبائل الصومالية المتجاورة.

ويترأس المحاكم التقليدية علماء دين وفقهاء وهم يرتكزون في إصدار أحكامهم في القضايا التي تعرض أمامهم على مبادئ الشريعة الإسلامية.

القاضي عبد الرزاق حسين عيسى أكد عدم وقوع مشاكل مع المتقاضين (الجزيرة)

اختيار طوعي 
ويقول الشيخ عبد الرزاق حسين عيسى أحد قضاة المحاكم التقليدية في حديث للجزيرة نت، إن “المجتمع الصومالي بعد انهيار الحكومة المركزية لم يجد من خيار سوى التعامل معنا طواعية للنظر في المسائل القانونية العالقة وفق الشريعة والفقه الإسلامي”.

ويضيف أن قضاة المحاكم التقليدية لا يملكون سلطات تسمح لهم باعتقال المجرمين أو فرض عقوبة السجن عليهم، فدورهم يقتصر على توضيح المسائل الخلافية فقهياً، ومحاولة إنهاء مشاكل المتخاصمين في أجواء يسودها الوفاق والوئام، لافتا إلى عدم وقوع مشاكل مع المتقاضين لأنهم يلجؤون للمحاكم التقليدية عن طيب خاطر وبثقة في عدالة الفقه والشريعة الإسلامية، على حد تعبيره.

وذكر الشيخ عبد الرزاق أن مدينة بوصاصو وحدها يوجد فيها ثلاث محاكم تنعقد جلساتها حول المساجد، إحداها تستقبل صباحا الصغار لتعلم القرآن الكريم وتتحول في المساء إلى ساحة للمحكمة بحضور هيئة القضاة من فقهاء وأئمة مسجد المجيد، بالإضافة إلى محكمتين في مسجد الروضة ومسجد إبراهيم.

وعرف الصوماليون فكرة المحاكم التقليدية قديماً في الأرياف والبوادي النائية حيث كان لكل عشيرة محكمة تقوم بمهمة القضاء بمعزل عن بقية القبائل.

المحكمة العليا
ويقول السلطان محمد علي محمد أحد سلاطين قبائل شرق الصومال إن هناك محكمة أخرى تسمى المحكمة العليا تقوم بمهمة البت في القضايا الطارئة بين القبائل المتجاورة التي تجمعها روابط المصاهرة أو المشاركة في العشب والماء في مساحة أرض مشتركة.

السلطان محمد علي: المحكمة العليا تبت في القضايا بين القبائل المتجاورة (الجزيرة)

ويوضح أن أعضاء هذه المحكمة يتم اختيارهم من القبائل التي تتفق على تأسيس المحكمة العليا، ويكون الاختيار على أساس جملة من المعايير من ضمنها الفقه في الدين والفصاحة والشجاعة والحلم.

وذكر السلطان محمد علي للجزيرة نت أن قبيلته قررت، بعد انهيار الحكومة الصومالية وظهور فراغ قانوني، تشكيل لجنة مكونة من مثقفي القبيلة وكبار شيوخها.

وتعمل اللجنة على حل النزاعات البينية والتنسيق مع بقية القبائل في المسائل التي تحتاج إلى اتخاذ قرارات قانونية مشتركة للوصول إلى تفاهم قضائي يضمن العيش في سلام مع بقية القبائل.

ويرى الباحث في التراث والأدب الصومالي محمد أحمد الحكيم أن فكرة المحاكم التي تعقد جلساتها حول المساجد تستمد فكرتها من طريقة عقد جلسات المحاكمات عند الصوماليين في الأرياف تحت ظل شجرة.

الأرياف
ويقول الحكيم إن أهل الأرياف والبوادي في الصومال لا يعرفون إلى الآن ما تسمى أحكام الدولة، وكل ما يعرفونه هو قرارات قانونية تتخذها مجموعة من علماء الدين والفقه إلى جانب رجال لديهم معرفة بما يسمى “Xeer”، وهو عرف قانوني متبع يجري بين القبائل وله اعتبار خاص عند اتخاذ القرارات.

أما المحامي أحمد بري رئيس جمعية المحامين في بونت لاند فيقول إن محاكم الدولة، بعد انهيار الحكومة الصومالية المركزية، تشهد عزوفا من قبل المجتمع الصومالي.

ويرجع المحامي ذلك إلى عدم ثقة المجتمع الصومالي في محاكم الدولة التي يرى أنها تحكم أحياناً بقوانين وضعية تتنافى مع قيم الإسلام.

ويضيف بري أن المجتمع الصومالي بطبعه مجتمع قبلي يريد التعامل دائماً مع ما يتلاءم مع فطرته ولا يستطيع التعامل مع المحاكم العصرية بكل تعقيداتها، حسب قوله.

المصدر:الجزيرة